السبت، ١٢ شعبان ١٤٣١ هـ

اندومري يرحب بضيوفه الكرام

وصل إلى قرية اندومري كوكبة من أهم الشخصيات الأدبية والعلمية في الوطن من بينهم النائب والشاعر أحمدو ولد عبد القادر الأستاذ محمدو ولد احظانا والأستاذ محمد الأمين ولد احظان الأستاذ اسحاق ولد احمد مسكه الإعلامي الكبير ادده ولد محمد الأمين ولد السالك والاستاذ محمد ولد ابنو ولد احميده ولمرابط ولد ادياه والشاعر النبهاني ولد محمدفال والسيد لكور ولد ابياه والضيوف الذين معه من قرية بدر الشقيقة والسيد بداه ولد حبلل رئيس جمعية شبيبة بناء الوطن والإمام الشاعر محمدن ولد محمد سالم ولد يحظيه والأستاذ الأديب محمد فاضل ولد احمذي ممثلا للشيخ احمدو ولد احمذي والدكتور يحي بن محمدن الهاشمي من قرية السعيد والأديب الإعلامي حماده ولد احمدو ياسين والأديب الكبير محمد الأمين ولد لكويري ولا يزال المدعوون يتوافدون تباعا والحمد لله على قرية اندومري فأهلا وسهلا بالجميع.

انطلاق الموسم الثقافي والرياضي في اندومري صيف 2010

انطلقت بقرية اندومري النسخة الثانية من الموسم الثقافي والرياضي، وقد بدأ الموسم بحفل الافتتاح الذي بدأ بالقرآن الكريم بعد ذلك توالت الكلمات الرسمية بدءا بكلمة رئيس رابطة تنمية شباب اندومري للبناء السيد محمدن ولد عبد الله ولد الصلاي لذي أعلن انطلاقة الموسم وحث الشباب على مواصلة العطاء من أجل إنجاح هذا الموسم بعد ذلك ألقى السيد محمد يسلم ولد عبد الكافي عضو مكتب الاعداد والتحضير للموسم التجريبي 2009 كلمة باسم المكتب رحب فيها بالحضور وشرح فيها الظروف التي اكتنفت تنظيم أول موسم ثقافي وكيف توصل إلى ذلك المستوى من النجاح ومستوى التضحيات التي قام بها الشباب من أجل إيجاد صرح ثقافي موسمي وها نحن نصل إلى ذلك الهدف وهنأ المنظمين لهذه النسخة على دقة التنظيم.
بعد كلمات الإفتتاح بدأت السهرة الأولى من سهرات الموسم وهي سهرة للأطفال بدأت بكلمة باسم الأطفال ألقاها الشبل عبد الله ولد محمدو ولد الصلاي وقد تواصلت بعد ذلك فقرات السهرة والتي كان من ضمنها نشيد للأطفال وندوة شعرية رائعة أنعشتها كوكبة من الأطفال تفاعل معها الجمهور بشكل رائع  كما تضمنت اسكتشات مسرحية مضحكة وهادفة قبل أن تختتم بمسابقة للأطفال.

الثلاثاء، ٢٤ رجب ١٤٣١ هـ

سيد عبدالله بن أحمد دام

سيد عبدالله بن أحمد دام



( 1159 - 1284 هـ)



( 1746 - 1867 م)







سيرة الشاعر:

سيد عبدالله بن أحمد دامْ بن عبدالرحمن البنعمري الحسني.
ولد قرب بلدة «أندومري وتوفي في موضع يسمى «بجعة» (جنوبي نواكشوط).

عاش في موريتانيا والسنغال وبلاد السودان الإفريقي.

درس القرآن الكريم والعلوم الشرعية واللغوية، وحفظ عددًا من دواوين الشعر الجاهلي والإسلامي، كما توسع في اطلاعه ليشمل قضايا عصره العلمية والثقافية، ومن أبرز محطات تعليمه: أستاذه وعمه، ثم محاضر أخواله من بني ديمان، ومدرسة المختار بن بونه النحوية اللغوية.

عمل بالتجارة في غربته.

الإنتاج الشعري:
له ديوان شعري، حققه الباحث محمد رضوان بن محمد سالم - في المدرسة العليا للتعليم - نواكشوط 1983. (تبلغ أبيات الديوان 950 بيتًا)، وله عدة قصائد في كتاب: «الوسيط في تراجم أدباء شنقيط».

قال الشاعر في المدح والفخر والغزل والوصف، ويشكل شعر الحنين محورًا لافتًا بحكم تجربته الذاتية وغربته الطويلة، وقد اكتسب شعر الحنين رقة المشاعر وسهولة التعبير، في حين جنح شعر المدح والفخر إلى الجزالة.



عناوين القصائد:

تجلدت للتوديع

من قصيدة: نجم الهدى



تجلدت للتوديع

تجلَّدْتُ للتوديع والقلبُ جازِعُ                 وأخفيْتُ ما كادت تُبين المدامِعُ
ترقرق دمعٌ لو أطعت غروبَه                 ذرفنَ كأجرى ما تفيض الدوافع
فيا عجبًا أخشى الفراق وطالما               حرصتُ عليه مكرهًا أنا طائع
أمَرُّ النَّوى منأى حبيبٍ إذا دنا                لَوَتْكَ بمحبوبٍ بلادٌ شواسع
هما طرفا ميزان شوقٍ كلاهما               يطلِّقني أهوالُه ويُراجع
أُتيحت لغرب الأرض مني زيارةٌ           وفي الشرق أرضٌ في المزار تُنازع

ألا فارحلا قبل الصَّباح مطيَّنا               فلم يبقَ إلا أن تُجاب البلاقع

إلى حاجةٍ لم يثنِ عنها عزيمتي             صديقٌ بألوان الملامة صادع

غدا إذ غدا فرخاه منه بمنظرٍ               يُثبَّط لو أن الشجيّ يطاوع

أأصغي وأفراخي قد اعرضَ دونهم       عراضُ الفيافي والجبال الفوارع

دعاني إلى نسيانهم كلُّ راقمٍ                على الماء صَمَّت عن دُعاه المسامع

إذا وعدوا بالمال ثم ذكرتُهم                 تلاشت إذًا لو يعلمون المطامع

وإن خدعوا بالغِيد غادر ذكرُهم            لديَّ هباءً ما وشاه المخادع
وإن قيل في أهل التغرُّب أسوةٌ             فما أنا للضاوين في العجز تابع
سأُعمل سيرَ النُّجب نَصّاً إليهمُ             وأهمل لغوًا رأيَ من هو راجع
ومُعطي عهود أن يُرافِقَ أصبحتْ         تمرّ بها نُكْبُ الرياح الزعازع
يضاعفُ من عزمي على السير           كلما بدت من ضمير المخلفين الجنادع
بدا ما طوى من كان يزعم أنه             سيطوي إليَّ البيدَ والحقُّ ناصع

تكاسلَ إخواني الأقاربُ في الرَّخا لدنْ    صدعت شملي الليالي الصوادع
فما أستأجروا لي صاحبًا من سواهمُ       فربَّ أجيرٍ في المضايق نافع

ولكن كفتني منَّةً سيمُنُّهافتًى                  لم تدم مني لديه الصنائع

جَلادةُ نفسٍ بين جنبَيْ مجرِّبٍ               تهاب قتادَ المنِّ منه الأصابع

ويصغر في عينيه ما استعظم الذي         تهون لديه الداهياتُ القوارع

أما والموامي والهواجر والسُّرى           وأنضائها منها رهيصٌ وظالع

لئن أسلموني للنوى لم يكن معي           أخٌ لحميَّا وحشة البين دافع

لما أسلموا حيرانَ يعيا بأمره               إذا راح كلُّ الناس وهو مُقاطع

ولكنْ غنيُّ النفس أمضى عزيمةٍ           من العَضْبِ جلاَّه الكميُّ المصارع

تعوَّدَ فقدانَ الرفيق بأمكُنٍ                    تغول بها نفسَ الجبانِ الروائع
خليليَّ من يخشى اعتسافَ تنوفةٍ           لواه بحَوْجا وهدُها والأجارع
فإني لمقدامٌ على كل مَهْمَه                   يتيه به لو كان يغشاه رافع

جسورٌ على دُهْم المخاوف في يدي       عُرَى الحزم لا يُلفى بها وهو ضائع

صبورٌ على برح المشقّات ينثني          عَنَ اهوالها الزرقُ العيون السمادع

ولستُ لأمرٍ إن تعاصى بتاركٍ             ولستُ لـمَرْءٍ في أموري أطاوع

أصيخ إذا قالوا وأتبع ما أرى               وما سيفُ مُنقادِ القرينة قاطع
وما ضمَّ ثوبي عاجزَ الهَوْء كلما           أشار عليه غيرُهُ فهو طائع
شكوتُ إلى المبدي المعيد بمثل ما         شكوت به إذ عوَّقتني الموانع
فسنَّ امتنانًا أمرَ حوجاءَ طالما             لوت فانثنى باليأس من هو طامع
ألا ليت شعري هل أراني بصِبيتي        طليقًا منَ ايدي النأي والشملُ جامع

عليَّ إذًا إطعامُ أضعاف من مضى        وصومٌ بصيفٍ سبعةً متتابع



من قصيدة: نجم الهدى

تألق لمَّاعُ الوميض لَموح           بذي السَّرْح يَخفَى تارةً ويَلوحُ

جلا عن روايا بتنَ يَمأدنَ مثل ما     ينوء مُدانى السّاعدَيْنِ طليح
سقى دِمَنًا حول اللُّوَيِّ وأربعًا       على الغار ثجَّاجُ الفُواق سَحوح
وجادت على أطلال زارَ مُرِبَّةً      بها كلُّ غرّاء الجبين دلوح

معاهدُ يرتاح الفؤاد لذكرها          وأهتف شوقًا باسمها وأبوح

وتعتادني منها طوارقُ لوعةٍ           كما انقضَّ روَّاعُ الرعيل جَروح

فدع ما ترى وافزعْ إلى الصَّبْر إنما      أخو الصبر في عُقبى الأمور نَجوح








أحمد ابن حبيب الله ابن المنى البنعمري الحسني

أحمد ابن حبيب الله ابن المنى


( 1328 - 1380 هـ)

( 1910 - 1960 م)



سيرة الشاعر:



أحمد بن حبيب الله «بُلاَّ» بن أحمدُّ بن عبدالله بن محمد «الـمُنَى» الحسني نسبته إلى قبيلة إِدَا بْلَحْسَنْ.
ولد في اِندُومرِي: الجنوب الغربي الموريتاني، وتوفي في السنغال.
عاش في موريتانيا، وغينيا كوناكري، وسيراليون، والسنغال.
درس العلوم اللغوية والشرعية في محضرة والده حبيب الله «بُلاَّ»، وقد أجازه والده في مختلف الفنون والمتون التي تُدَرِّسُها المحضرة.
سافر للعمل وممارسة التجارة فتنقل بين غينيا كوناكري، وسيراليون، والسنغال.

 

الإنتاج الشعري:

للشاعر مقطوعات قليلة، متداولة، لما فيها من صدق الحنين والتشوق، منها:المقطوعة النونية وقد ذكرتها عدة بحوث للتخرج، والمقطوعة الدالية التي رواها ابن عم الشاعر (الباحث محمد بن أحمد) من حافظته.
لا تكفي القطعتان لاستخلاص تصور شامل لفنه الشعري، أما ما تحملان من دلائل الحنين ولوعة الغربة فهذا ما يتضح فيهما، ويبرهن على صدق العاطفة، وحرارة الشعور.



عناوين القصائد:

في ديار الغربة
بريد
في ديار الغربة

أيا مَنْ لِنَاءٍ لا يزالُ حنينُهُ                   إلى والديه دائماً وأنينُهُ
نأى عنهما عامًا وعامًا وذُو نَوىً          فذاكَ جديرٌ أنْ يدوم حنينُه
وضاعَفَ منه الهَمَّ أنْ رَاءَ بارِقًا           بأقصى بلاد الغرْبِ لاح جبينه
ففاضَتْ على الخدّين منه مدامعٌ           كما انْفَضَّ دُرٌّ منْ نظامٍ يَخُونُه
أقولُ لبَرْقٍ هَاجَ ما بيَ منْ أَسًى           وغادَرَ مِنّي الدمع يجري مَعِينه
أيا بَرقُ حَيِّ الأَهْلَ عنّي وَرَوِّهِمْ          وَخبِّرْهُمُ عني بما تستبينهُ
وإمَّا عَداك الأمرُ يا برقُ إنني             رَهينُ أَسًى ما إنْ يُفَكُّ رَهينُه
وَبلِّغْ أَبي منّي السَّلامَ وقُلْ له              يُحَيِّيكَ مَنْ قَدْ كُنتَ قِدْماً تَصُونُه
ولما دنا ما كنت منه مؤَمّلاً               نآك كما يَنْأى الغَريمَ خَؤُونُه
وَعرِّجْ بأُمِّي واترُكِ القولَ عندها       ألا إنَّ بَعْضَ القول جلَّت شُؤونُه

بريد
نَفْسِي الفِداءُ لذِا الكتابِ الواردِ            من والدي بعد الفداءِ لوالدي
وَهْيَ الفداءُ لَنعْلِ أُمي والذي              كتب الكتابَ فدًى له من ماجد
صَكٌّ بهَ كَمُلَ السرور فمرحبًا            بزمانه ومكانه من وارد

الأحد، ٢٢ رجب ١٤٣١ هـ

قرية "أندومرى" تتحدث إليكم..!

أدرك - أيها الأبناء البررة- أنه من الصعب على قرية صغيرة الحجم ،لا مال لها ولا نفوذ، أن تستوقف أحدا في أيامنا هذه ،حيث الانبهار المفرط بالمدن الكبيرة وصخبها ودورة حياتها التي لا تتوقف..أعرف أن بعضكم وقع ضحية للانبهار حتى بمدن الغير في البلدان البعيدة التي يسير فيها "غريب الوجه واليد واللسان"..! ومع ذلك تسكنه بأضوائها وأحيانا برطانة أهلها لدرجة ينسى معها أحيانا مواطنه الأصلية بل يتنكر لها..
أنا- أحبائي- قرية صغيرة شكلا، لكنني غنية النفس عظيمة المضمون بأهلي ..بالرعيل الأول الذي اختارني موطنا وموئلا وعلمني- بصبره وشجاعته وحنكته - أن أكون "الغزال الذي يموت في جدبه"..عانقت - ومنذ الأزل- هذه الكثبان الرائعة التي تختزن- لو تعلمون- تاريخا من الحياة والشمس والكفاح..صحيح أنني لم أنتبذ من وطني الكبير موريتانيا مكانا يشتهر بالزراعة أو التنمية أو المعادن وغير ذلك من وسائل استقطاب السكان ومساعدتهم على الاستقرار..غير أن الذين عمرونى منذ عشرات السنين عوضوني عن كل ذلك، ونحتوا معي هنا فوق هذه الكثبان التي لم تلن إلا لعزيمتهم، إرادة استثنائية للبقاء وتشبثا لا حدود له بالأرض والشمس والحياة..لقد زرعوا عالما من المثل والقيم والدين القويم لأفهم منهم أن جفاف الأرض وتحرك الكثبان ليس دائما عائقا أمام أنواع من الزراعة كهذه تبقى - ملأ الزمن- بذورا متوثبة و أشجارا خضلة ومروجا ناعمة وظلا ظليلا للعابرين وأبناء السبيل..عملوا على تنمية الأواصر الخالدة الأزلية مع الأرض والوطن ..فاكتشفت أن للتنمية جوانب أخرى لا تحتاج لأكثر من عرق الرجال وصبر الرجال وأريحية الرجال..! ! رجالي الأوائل أيضا كانوا معادن حقيقية تمشى على الأرض ليستفيد منها الجميع، ولم ترض تلك المعادن يوما من الأيام- وتحت أي ظرف من الظروف- أن تختبأ تحت الصخور والأودية لتكلف الناس عناء البحث عنها، فكان ألقها وبريقها ونفعها مشاعا -عبر الزمن- للجميع كما ضوء القمر، ودفئ الشمس، وماء السواقى..
لقد كان الرعيل الأول- الذي استوطنني طيلة عقود رائعة من الزمن حبلى بالكفاح- مثالا للصبر والشجاعة..لم تثنه ظروف الجفاف، ولا شظف العيش، ولا الأفق غير المستقر سياسيا وأمنيا، عن المضي قدما في حمل رسالة الدين والثقافة وزراعة الخير والحب والأمل..وإنها لزراعة انبتت بحق واتت أكلها بفضل الله عبر هذه الوجوه الطيبة الناضرة التي تمثلونها- أحبائي أبناء هذا الجيل المعاصر من أبناء القرية- الذي سار على خطا الأجداد العظماء متمسكا بقيمهم ونهجهم القويم، مواصلا الكفاح فى سبيل حماية البذرة الطيبة الطاهرة التي أودعها الأقدمون افقى هذا بكل رماله وكثبانه وأشجاره وطيوره الغردة لتصبح وتبقى- على مر العصور- شجرة معطاء أصلها ثابت وفرعها في السماء..
اننى فخورة بكم وأنتم تحيون بهذه الأنشطة تراث أجدادكم وميراثهم المقدس..وأكاد أسمع تحت هذه الكثبان وبين أطلال الآبار الخربة وبين أزقة هذه المنازل- المتناثرة شكلا المتعانقة روحا ونصا ومنطلقا وموئلا- همسات الرعيل الأول في آذان الزمن احتفاء بكم واحتراما لرفعكم للراية التي ما كان لها أن تسقط ولا ينبغي لها أن تسقط أبدا..فقدرها أن يتلقفها في كل مرة جيل رائع هو امتداد لحبات سبحة مجد وضياء وألق وعنفوان متدفقة عبر الزمن شلال دين وعلم وقيم وأريحية لا يعرف التوقف..
هنا - أيها الأحبة- صمد أجدادكم..عاشوا يدا بيد..ورحلوا باتجاه جنان الخلد يدا بيد ومنكبا بمنكب..نسجوا دائما - بالحب الصادق والثقة المتبادلة- رباطا لا ينقطع واستمسكوا بعروة وثقي لا انفصام لها من التالف والود والحب الصافي صفاء رمالي هذه..تركوا بصماتهم الخالدة ورحلوا..بصمات لا تنمحي أبدا فبها من الدوحة السنية وعبق النبوة وأريج العصور المزكاة ما يجعلها عصية على التلاشي والاندثار..و لولا تلك البصمات الباقية - دينا وورعا وعلما وجهادا وخلقا وإصلاحا بين الناس وذكرا سائرا- لما اجتمعتم اليوم على هذا الدرب النير السالك الممتد باستقامة مظللة بعبق أولئك الرجال الخالدين،و لما تلمستم - بنفس الإصرار الذي لا يلين- طريق الوحدة والتلاقي والكفاح المشترك..
أنتم اليوم - بفضل الله وبفضل ذالك الإرث الخالد- ترفعون نفس الراية، وتحملون نفس الرسالة، وتقفون معا منكبا بمنكب وساقا بساق حتى لا تتركوا لشياطين التفرقة والنفخ في الهواء و إذكاء النعرات الوهمية المنتنة أي منفذ..وأنتم كما أجدادكم الرائعين تحيون أواصر الانتماء للأرض باحتضانكم لرمالي، باجتماعكم على هذا الصعيد الطاهر، فوق أديم قريتكم التي تحبكم لأنها تستحضر فيكم تاريخها العظيم، أيام بناها أجدادكم وعمروها ودافعوا عنها أوقات الشدائد والمحن، وتشبثوا بها حتى النهاية، ووقفوا - جدارا صلبا منيعا- لحمايتها من صولات الطامعين والطامحين - ترغيبا وترهيبا- للاستحواذ عليها ،أو اقتطاع أجزاء منها، مدفوعين بأحلام التوسع والحقد، و أوهام القوة والنفوذ ،والقفز على حقائق التاريخ والجغرافيا والمنطق التي تصرخ أبدا بأن "قرية اندومرى لن تكون إلا لأهلها"..قد يستضيفون البعض ليس ضعفا ولا تزلفا ولا خوفا، و إنما وفاء لقيمهم الأصيلة التي تركها لهم الأجداد كلمة باقية إلى يوم الدين، والتي تحترم الناس وتجيب نداء الملهوف وتعطى السائل وتجير المستجير وتحمل الكل وتعين على نوائب الدهر، كما قد يسمحون للبعض بالإقامة - المؤقتة- على حدودها، لكن ذلك لا يعنى أبدا أنهم تنازلوا عنها أو أنهم مستعدون للتخلي عنها، أو السماح للآخرين بامتلاكها والتصرف فيها تحت أي ظرف من الظروف ومهما طال أو قصر مقامهم عليها..تلك رسالة الأجداد ومسؤوليتكم انتم أيها الأبناء البررة.. إن الدفاع عنى والتمسك لحد الدماء بحدودي وامتداداتي..برمالي وآباري.. بأطلالي وحاضرتي.. بمعالمي وعلاماتي.. أمانة في أعناقكم إلى يوم الدين..و أنا واثقة أنكم ستتحملون الأمانة بصدق الأجداد وصبرهم وشجاعتهم ووجوههم المشرقة دوما في مجالس المكرمات و معالي ألأمور والخصال التي تليق بالرجال،كما في مواقف الوغى ويوم يحمى الوطيس ويمتحن صبر الرجال وتستخلص معادنهم.. وأنتم أيضا - وبنفس الملامح الواثقة- تزرعون كما زرعوا، وتنمون بنفس طريقتهم، وتثبتون اليوم أن هذا الشبل من ذلك الأسد، وأن المعادن التي تمشى على الأرض - والتي كانها آباؤكم وأجدادكم - ستظل متدفقة معينا لا ينضب عميمة النفع منتشرة الفائدة..وان "الغزال" سيظل كما كان يعيش سعيدا كما ولد حميدا ليموت شهيدا "في جدبه" و أي شهادة أروع من الموت تشبثا بالأرض وكفاحا في سبيل المواطن وملاعب الصبا..!
أنا فخورة بكم، والزهو يملؤني و أنا أراكم - حقيقة لا حلما ،على الأرض لا في أخيلة الشعراء- كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا..إن سعادتي اليوم لا حدود لها..انظروا من حولكم ، فتلك الكثبان تتماوج فرحا، وتلك الأشجار تتمايل طربا، وتلك الطيور تغنى جذلى بيوم العيد الذي ترسمون ألوانه باندفاعكم وتحمسكم وسيركم الواثق على دروب الأجداد العظماء..واني لأسمع صوتا خفيفا وادعا ملائكيا حنونا يتسلل من تحت الكثبان كل الكثبان.. وهناك من أرواح "لمغاس" الطاهرة، وسكون "أعريش لغراب"، ونقاء كثبان "اصبيبير"، وصمود "الزيرة الدخنة"، وتجدد "الحرث"، عبقا بتاريخ رائع لأجدادكم المنعمين يستحثكم بلطف، يناجيكم برقة أن: "واصلوا المسيرة، ولا تتركوا الراية التي نسجها أجدادكم وزرعوها بذروة سنام المجد فى عنان السماء تسقط، ولا تسمحوا لأي كان بإطفاء النبراس ولا تتقاعسوا أبدا عن حمل الرسالة الأمانة التي في أعناقكم، أن تظلوا أبدا ورغم كل الصعاب وعاديات الزمن- وكما كان آباؤكم وأجدادكم-خيمة وارفة الظلال تمنح الأمل لكل الهاربين نحوها من يأس الحياة وجحيمها وتهب الدفء لكل الداخلين إليها طلبا للعلم استلهاما لمعانيه واحتراما لسدنته، ورسل توحد وخير وحب وسلام".

قريتكم التي تحبكم بقدرحب آبائكم وأجدادكم لها "أندومرى"

أحمد بن إنِّيهْ البنعمري الحسني

أحمد بن إنِّيهْ

( 1314 - 1399 هـ)

( 1896 - 1978 م)

سيرة الشاعر:


أحمدُّ بن محمذنْ بن أحمد إنيه ولد محمذن الحسني.

ولد في بلدة انْدومْرِي (مقاطعة بُوتيِلمِيت - موريتانيا)، وفيها توفي.


عاش في موريتانيا والسنغال.


حفظ القرآن الكريم على يد والدته، إلى جانب بعض المتون الشرعية واللغوية على يد والده، ثم التحق بمحضرة حبيب الله بن أحمدو مدة، ثم بمحضرة أحمد محمود المباركي التي استكمل فيها حفظ المتون، ثم عاد إلى مضارب قبيلته، وهناك تلقى المسائل الشرعية إلى جانب المنطق وعلم البيان على يد محمد حامد بن آلا، وأخذ الفقه واللغة على القاضي محمد محمود بن النهاه، وعلى الفقيه أواه بن أبات التاكاطي أكمل الفقه المالكي.
عمل في بداية حياته في التنمية الحيوانية، وبعد انتهاء تحصيله العلمي عمل معلمًا محضريًا في محضرة أسسها في مسقط رأسه، فاجتمع له العديد من الطلاب، غير أن ظروف الحرب الثانية أجبرته على تركها خاصة بعد انقطاع الطلاب عنها، فسافر إلى السنغال (1924).
نُصّب إبان إقامته في مدينة دار جلف شمالي شرق السنغال قاضيًا كما عمل على نشر الثقافة العربية والإسلامية في السنغال، إلى جانب قيامه بالتدريس حتى وفاته.
أسهم بفاعلية في المقاومة الثقافية للمستعمر الفرنسي في موريتانيا والسنغال، وكان يطالب بمقاطعة المدارس الفرنسية النظامية، ويأمر تلاميذه بعدم الانضمام إليها.


الإنتاج الشعري:


 له ديوان - جمع وتحقيق الباحث محمد أحمد بن محمد (مبارك) - المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية - نواكشوط 2001 (مرقون)، وله عدد من القصائد المخطوطة في حوزة نجله بنواكشوط.


الأعمال الأخرى:

له عدد من الأجوبة والفتاوى الفقهية.

يدور شعره حول المدح الذي اختص به أولي الفضل من شيوخه وتلاميذه، كما كتب في المساجلات الشعرية الإخوانية. يميل إلى الوعظ، وإسداء النصيحة، وله شعر في الغزل العفيف، وكتب في التوسل، وفي الفخر. تتسم لغته بالطواعية، مع غلبة النزعة التقريرية، وخياله تقليدي قريب المنال، التزم الأوزان الخليلية المتوارثة إطارًا في بناء قصائده، ومقطوعاته الشعرية، مع ميله إلى استثمار الجناس والمطابقة والمقابلات اللغوية.


عناوين القصائد:

وليس اجتماع فيه إلا لفرقة


• أحب الذي أحببت غير محرم


• يا مغيث



وليس اجتماع فيه إلا لفرقة

لَعَمْرُكَ إنّ الدهر جمّ النوائبِ             وما هو إلا بين آتٍ وذاهبِ

فآتيه غيبٌ لا يُقاس بما مضى           وماضيه للإنسان ليس بآيب

وليس اجتماعٌ فيه إلا لفُرقةٍ               فأُسِّسَ بالأكدار من كلّ جانب
ولذّاته حُفّت بكل مصيبةٍ                  وإن فراق الحِبِّ أدهى المصائب
تَزوَّدْ بتقوى الله في كلّ مذهبٍ            فإن التّقى زادٌ بكل المذاهب
وكن حافظًا عهدَ الخليل بغيبه             فعَزَّ خليلٌ لم يخن عهد غائب
ولا تُفشِ منه السرَّ واستُرْ عيوبه        فشأنُ ذوي الألباب ستْر المعايب
ولا تُصْغِ أذنًا للحسود وقوله             وإن قال فاعلمْ أنه جدّ كاذب
فإن الصديق الصادق الودّ من ترى      لديه مساوي الحِبّ عين المناقب
فلا زلتَ مكلوءًا بعين عنايةٍ              من الحافظ الواقي الجزيل المواهب
بجاه شفيع الناس صفوة هاشمٍ           وصفوة صافٍ من لؤيّ بن غالب


أحب الذي أحببت غير محرم

سقاك إلهُ العرشِ سلوانةَ السلوى           وأسلاكَ عن «سلماك» بالمنّ والسلوى
وآواك في الدنيا إلى غير مَحْرمٍ             وآواك في الأخرى إلى جنة المأوى
فمأتاك أيّاً كان عندي هو المنى             إذا كان يُرضي عالمَ السرِّ والنجوى
أحبّ الذي أحببتَ غيرَ محرَّمٍ                وأُبغض ما أبغضتَ بغْضك أو أقوى
فحاشا ويأبى الله تقليدَك الهوى              وطوعَك للنفس اللّجوج بما تهوى
فلا تَسْهُ عَمّا قد علمت جميعه                ولا تفعلِ المنهيَّ عمدًا ولا سهوا
ولا ترضَ يا سهوانُ وِرْدك مشربًا        سوى مشربٍ سهوٍ وعِظْ نفسَك السهوى
وشمِّرْ وضمِّرْ طرف عزمك للتقى         فنَيْلُ جميع الخير بالعزم والتقوى
فما حاز قَصْبَ السبق إلا مشمِّرٌ             قدَ اعرضَ عن سلمى وأعرض عن أروى
وألقى حظوظ النفس ظهريّةً فلا             تَرى لعبًا كلا لديه ولا لغوا
تراه مُذيلاً نفسَه في رضا العليْ            ويحسبه حلوًا وإن لم يكن حُلْوا
فلا تأْلُ في طيِّ المسافة دونه               ففي مثله قصوى المساوف قد تُطوى

يا مغيث

يا حيُّ يا قيّوم يا مغيثُ                   إني برحمتك أستغيثُ
فاغفرْ إلهي ما علمت فيّا                 ولا تَكِلْني طَرْفةً إليّا
واغفرْ لوالديَّ ثم إخوتي                  وكلِّ مذنبٍ من أهل ملّتي
وعافِني من كلِّ داءٍ دنيويْ               وعافني من كلِّ داءٍ أُخروي
وعافِني بحق الاسم الأعظمِ              من سمّ الارقش الذي في الأَعْظُم
واللحمِ مني والعروق والعَصَبْ         فرِّجْ كروبي واشفِني من الوَصَبْ
أللهُ يا أللهُ إنّي مَسّني                      ضرٌّ وقد دعوت باسمك السَّني
يا من أزاح الضرَّ عن أيّوبا             وردّ الابصارَ على يعقوبا
ومن كفى محمّدًا كيودا                   لاحزابِ والخليلَ من نمرودا
ومن كفى كليمَه فرعونا                 وكيده وقد حباه العونا
ومن نجا بفضله ذو النونِ               والأمرُ بين كافه والنونِ
إني دعوت فاستجبْ دعائي            واكشفْ جميع الضرِّ والبلاء
وهبْ ليَ العلمَ والاتِّباعا                وأبعدِ الجهلَ والابتداعا
وهبْ ليَ الغنى عن الخلائقِ           والحفظَ من إتيان غير لائق
وعصمةٍ من معضلات الداءِ           ربِّ ومن شماتة الأعداءِ
بجاه خير المرسلين مَن هدى          به الإلهُ للهدى من اهتدى
صلّى عليه بارئُ الأنامِ                 والآلِ والأتباع بالتمامِ

مصادر الدراسة:
1 - أحمد بن عبدالله العتيق: الظاهرة البديعية في شعر الشيخ ابن عبدالله - المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية - نواكشوط 2000.
2 - محفوظ ولد أحمد: تحقيق ديوان أحمد ولد محمذن - معهد ابن عباس - 1998 - 1999 (مرقون).
3 - محمد عبدالله بن محمد محمود: جمع وتحقيق ديوان الشيخ محمد عبدالله ابن أحمذي - المدرسة العليا للأساتذة والمفتشين - نواكشوط 1985.
4 - محمد المختار بن عبدالصمد، ومحمد محمود ولد الأفضل: ترجمة وتحقيق نصوص في مدحه - المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية - نواكشوط 2000.